إلى كل من ابتلي بالمعاصي .. إلى كل من ابتلي بالبعد عن الله .. إلى كل أسير لشهواته.. إلى كل من لم يجد حلاوة الصلاة .. ولم يأنس بمجالسة القرآن ..إلى كل من ذبل الإيمان في قلبه .. هذه رسالة إليك.. .. من قلب يحب الخير لك .. ويجد السعد في هدايتك ..
أخي ..
اما آن الرجوع إلى الله .. أما آن العودة إلى رب الأرباب .. وخالق خلقه من تراب .. أقبل على ربك .. أقبل على خالق .. قبل أن يأتيك هادم للذات .. ومفرق الجماعات .. فتقول رب ارجعون .. لعلي أعمل صالحا فيما تركت .. عندها لن ينفع البكاء والندم..
أخي ..
يعتري قلب المؤمن في بعض الأحيان سحابةٌ من سحب المعصية..فيبقى في ظلمة ووحشة .. فيستعين بالله ويستغفر الله .. فسرعان ما تزول ..و سرعان ما تنقشع.. فيضئ قلبه نور الإيمان .. ولذلك قال بعض السلف ..: " من فقه العبد أن يعاهد إيمانه وما ينتقص منه " و أيضًا : " أن يعلم نزغات الشيطان أنَّى تأتيه ".
فلابدَّ من العودة إلى الإيمان.. فإذا عدت إلى الإيمان .. سيتحقَّق لك ما تريد ... من راحة البال .. فيمتلئ قلبك بهجة وسرورا .. أما اذا بقيت في غفلتك .. فلحذر من نقمة الله وغضبه،.. وأليم عقابه .. فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل .. وما يؤمنك أن يطلع الله عليك وأنت على معصيته فيقول .. وعزتي وجلالي لا غفرت لك.
أخي ..
انظر إلى ستر الله تعالى لك .. وحلمه عليك .. وأنت تعلم غيرته على عباده .. فما يؤمّنك أن يغضب عليك .. فينشكف أمرك ، ويطلع الناس على سرك ، وتبوء بفضيحة الدنيا قبل الآخرة ..وهل ستجني من المعصية إلا الحسرة ، والشقاء ، وظلمة القلب ؟..
أخي العاصي ..
ألا تحس يظلمة في قليك .. ألا تحس بها كما تحس بظلمة الليل.. إن الطاعة نور ..وإن المعصية ظلمة .. وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرتك حتى تقع في الضلال وأنت لا تشعر.. كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده .. فتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين .. ثم تقوى حتى تعلو الوجه.. وتصير سواداً يراه كل أحد .. قال عبد الله بن عباس : " إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق " .
أخي ..
أنك تشعر بلذة المعصية .. يوما أو يومين .. شهرا أو سنة .. أو أكثر من ذلك .. ولكن ثم ماذا ؟!! .. ثم ماذا ..
موت .. ثم قبر .. ثم حساب .. فعقاب ...
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها.... من الحرام ويبقى الذل والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها نار
أخي..
ألا تخاف من سخط الله .. ألا تخاف من النار .. إنها النار .. إنها النار ..حرها شديد .. وعذابها عسير ... خاف منه العُباد .. وعمل لتجنبه الزهاد .. قال وهب بن منبه: ( أما أهل النار الذين هم أهلها، فهم في النار لا يهدؤون، ولا ينامون، ولا يموتون، ويمشون على النار، ويجلسون على النار، ويشربون من صديد أهل النار، ويأكلون من زقوم النار، فُرشهم نار، وقُمصهم نار وقطران، وتغشى وجوههم النار، وجميع أهل النار في سلاسل بأيدي الخزنة أطرافها، يجذبونهم مقبلين ومدبرين، فيسيل صديدهم إلى حفر في النار فذلك شرابهم ). ألا تخاف من الموت .. ألا تخاف من ضمة القبر ..
أتريد أن تعرف حال السف :
- عمر رضي الله عنه في ساعة إحتضاره : أخذه ابنه عبد الله فوضع رأسه على فخذه .. فقال عمر بن الخطاب .. ضع وجهي على التراب .. لعل الله يغفر لعمر ..
- جاء إلى زوجة عمر بن عبد العزيز بعض المسسلمون يريدوا أن يعرفو سبب ضعف عمر ..فقالوا لزوجته: ما لعمر قد تغير؟
قالت: والله ما ينام الليل ووالله إنه ليأوي إلى فراشه فيتقلب كأنه نائم على الجمر, ويقول: آه لقد توليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسوف يسألني يوم القيامة الفقير والمسكين والطفل والأرملة.
- معاذ بن جبل رضي الله عنه.... أتته سكرات الموت مع الفجر , فقال اللهم إني أعوذ بك من صباح إلى النار, اللهم إنك تعلم أني لم أحبب الحياة لغرس الأشجار ولا لجري الأنهار ولا لعمارة الدور, ولا لبناية القصور , لكني كنت أحب الحياة لمكابدة الهواجر ( أي صيام الأيام الحارة ). ولقيام الليل. ولمزاحمة العلماء في حلق الذكر.
وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ( ويحك يا يزيد! من ذا يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا يترضى ربك عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس! ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ مَن الموت طالبه.. والقبر بيته.. والتراب فراشه.. والدود أنيسه.. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر.. كي يكون حاله؟ ) ثم يبكي رحمه الله.
هؤلاء هم السلف .. هم الجباهذة .. رغم ما قدموه .. من عبادة وصيام .. وقيام ... إلا أنهم كانو يخافون من النار .. كانوا ياخافون من الملك .. كانو يخافون من سخط الله ..
يا كثير السيئات غداً ترى عملك.. ويا هاتك الحرمات إلى متى تديم زللك؟ أما تعلم أن الموت يسعى في تبديد شملك؟ أما تخاف أن تؤخذ على قبيح فعلك؟ واعجبا لك من راحل تركت الزاد في غير رحلك!! أين فطنتك ويقظتك وتدبير عقلك؟ أما بارزت بالقبيح فأين الحزن؟ أما علمت أن الحق يعلم السر والعلن؟ ستعرف خبرك يوم ترحل عن الوطن، وستنتبه من رقادك ويزول هذا الوسن.
أخي الحبيب:
فِر الى الله بالتوبة، فر من الهوى... فر من المعاصي... فر من الذنوب... فر من الشهوات... فر من الدنيا كلها... وأقبل على الله تائباً راجعاً منيباً... اطرق بابه بالتوبة مهما كثرت ذنوبك، أو تعاظمت، فالله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فهلمّ أخي الحبيب الى رحمة الله وعفوه قبل أن يفوت الأوان.
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياك من التائبين حقاً، المنيبين صدقاً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كاتب الموضوع : أبو عارف
ناقل الموضوع : أحمد عماد أحمد